وثاقة النسب لسادة الأحساء
نحن لا نبالغ إن قلنا بأن السادة في الأحساء هم من أكثر السادة وثاقةً في أنسابهم وانتمائهم العلوي الهاشمي الشريف, وهذا أمر معلوم لكل نسابة أو مهتم بأنساب السادة في مختلف العالم الإسلامي, مهما كان مذهبه وميوله. وهو أمر لمسناه بأنفسنا ولمسه كل من كان له احتكاك أو اتصال بهذه الشخصيات أو المؤسسات المعنية بتوثيق السلالة النبوية, بل أن بعض هؤلاء يلومون أهل الأحساء على تقصيرهم وإهمالهم في عدم إخراج أي عمل يوثق وضع سادة الأحساء في العصور المتأخرة.
أما في بلاد العراق وإيران والخليج وغيرها من البلاد ذات الكثافة الشيعية, فيكفي لوثاقة نسبك العلوي أن تكون منحدراً من أحد عوائل السادة في الأحساء, ومن أسباب ذلك هو أن الأحساء هي من المحطات الهامة التي تنتقل من خلالها القبائل والعوائل من داخل الجزيرة العربية إلى تلك الأماكن. حيث أن عدداً من السادة الموثقين في تلك الأماكن إنما هم منحدرين من أصول أحسائية بعيدة, أو أنهم يلتقون معهم في نسب أعلى. ومن أهم ما يمكن التطرق له هنا عن وثاقة أنساب السادة في الأحساء, هو الـتالي:
1/ النسابة السيد ضامن ابن النسابة السيد شدقم الحسيني المدني «كان حياً عام 1090هـ».
السيد بن شدقم هو من أهالي المدينة المنورة ومن نسل أمراؤها من آل مهنا. ومخطوطته "تحفة الأزهار وزلال الأنهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار" تعتبر من الأعمال الخالدة والهامة في حفظ أنساب السلالة النبوية. وله أيضاً "لب اللباب في ذكر السادة الأنجاب" و"زهرة الأنوار في نسب الأئمة الأطهار". وهو عَـلم من الأعلام ومرجع من المراجع في هذا المجال, وإن كان قد وقع في بعض الأخطاء فيبدو بأن سبب ذلك لم يكن لنقص في علمه ودرايته بل لأن المخطوط المتوفر «تحفة الأزهار» هو عبارة عن مسودة يبدو أن الأجل قد وافاه قبل تدقيقها وتبييضها.
زار السيد بن شدقم الأحساء عدة مرات, منها ما ذكره في المخطوط وهي في عام 1053هـ وعام 1057هـ وعام 1058هـ وتحدث عن أبناء عمومته السادة, وخاصة المنحدرين من نسل السيد أحمد المدني, فذكرهم وذكر قراهم ومساكنهم وفصل في أنسابهم وتفرعاتهم بشكل جيد, حسب ما حصل عليه من معلومات في ذلك العصر. وقد جمع وحقق مخطوط تحفة الأزهار, الأستاذ كامل بن سلمان الجبوري, وشجّره في كتاب منفصل تحت مسمى "الروض المعطار في تشجير تحفة الأزهار". وطـُبع من هذا المخطوط حسب علمنا طبعتين, واحدة في طهران عام 1999م تحت إشراف مركز نشر التراث المخطوط التابع لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي, وهذا مما يدل على أهمية ووثاقة هذا المخطوط وصاحبه. أما الطبعة الأخرى فكانت مختصرة ومركزة على التشجير, وذلك في العاصمة الرياض عام 2005م باشتراك مكتبتين هما مكتبة المعرفة ومكتبة التوبة, وقام بكتابته واختصاره السيد يوسف بن عبدالله جمل الليل الذي ينحدر من السادة الحسينيين آل باعلوي الحضارمة. ومما قاله في مقدمته عن هذا العمل الهام ومؤلفه: "تحفة الأزهار وزلال الأنهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار, درة يتيمة في بابه وجوهرة مصونة بين أترابه, لما اشتمل عليه من أنساب سبطا رسول الله الحسن والحسين رضي الله عنهما بالجمع بين الأصول والفروع لذريتهما المباركة. فالكتاب بحق يعتبر من المراجع المهمة, ومن أوسع الكتب المتخصصة بأنساب آل البيت من العلويين في جميع البقاع ليوصل بين أجذامهم وأصولهم التي انحدروا منها وانسابوا متشعبين. لقد توارث مؤلفه علم الأنساب كابراً عن كابر أباً عن جد وقام بجولات واسعة لعدة أقطار جاب فيها شرق الجزيرة العربية والعراق وإيران والهند, ومكث فيها حقبة زمنية طويلة فاطلع على من سبقه في هذا العلم وما كتب وصنف فيه...إلخ"[1] .
2/ النسابة السيد عبدالرزاق كمونة النجفي «ت 1390هـ».
من مؤلفاته "نجوم السحَر في أنساب البشر" و"أنساب بني هاشم" و"عقود التمائم في أنساب بني هاشم" و"خلاصة الذهب في مشجرات النسب" وغيرها. وله مشجرات وكتيبات خاصة ببعض سادة الأحساء عملها وحققها في حياته, وإن كانت قد احتوت على بعض الأخطاء أيضاً فيما يخص بعض الأسماء في التشجير.
3/ آية الله النسابة السيد أبي المعالي محمد حسين «شهاب الدين» إبن النسابة السيد محمود «شمس الدين» المرعشي النجفي «1315 – 1411هـ».
كان عالماً وفقيهاً إمامياً, وفي نفس الوقت عني عناية خاصة بالأنساب الهاشمية, ومن مؤلفاته في هذا المجال "أنساب العلويين" و"مشجرات آل الرسول". وهذا الرجل ممن ينطبق عليهم بامتياز القول بأنه ترك علماً ينتفع به, حيث أنه وبعد انتقاله من العراق واستقراره في مدينة قم, أسس بمساعدة ولده السيد محمود مكتبته الشهيرة التي تعتبر أكبر وأهم مكتبات إيران وتعد ثالث أكبر مكتبة إسلامية بعد المكتبة السلطانية في تركيا ودار الكتب المصرية, ويزورها يومياً من 3000 إلى 4000 آلاف طالب علم, لما تحتويه من آلاف الكتب القديمة من مخطوطات أو كتب مطبوعة بالطباعة الحجرية. والجدير بالذكر بأن تراثه الخاص بالأنساب ومشجراته تشمل العديد من السادة في العالم الإسلامي, وتحظى بعناية خاصة من ولده السيد محمود ومجموعة من المتخصصين. وقد دُعي السيد محمود بدعوة رسمية من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية لإلقاء محاضرة في الرياض, كانت بعنوان "واقع المخطوطات العربية في إيران", وذلك مساء يوم 25/12/1424هـ وبحضور العديد من المهتمين والمتخصصين في هذا المجال[2] . ومن التقيناهم من هذا المركز يثنون على السيد محمود وإدارة مكتبة المرعشي في قم, لما يلقونه منهم من تعاون في مجال تبادل الكتب والمخطوطات.
4/ العالم النسابة السيد حسين أبو سعيدة الموسوي «معاصر, ولد عام 1364هـ».
عالم وفقيه إمامي له عدة إجازات من عدة مراجع, وقد عني عناية خاصة بالأنساب ويعتبر من أهم وأبرز نسابي السادة في عصرنا الحالي. وقد تميز السيد أبو سعيدة في أنه لا يخشى في الله لومة لائم خاصة فيما يخص الانتساب الباطل لهذه الشجرة, فألف كتاباً بعنوان "القول الفاصل في النسب الباطل" شمل فيه كل ما اطلع عليه من الأسر غير العلوية التي ادعت النسب بالباطل. ومن أهم مؤلفاته هو "المشجر الوافي في السلسلة الموسوية" «طبع عدة مرات» وقد ذكر فيه ما اطلع عليه من السادة الموسوية في الأحساء. وأرى بأن للسيد أبو سعيدة فضل كبير في توضيح بعض السلاسل والمعلومات عن سادة الأحساء لأنه اطلع على العديد من الوثائق الأحسائية إما لبعض المهاجرين إلى هناك أو الوثائق التي كان يودعها بعض طلاب الأحساء عند الثقات في النجف الأشرف لحفظها أو ترتيبها كما ذكر في بعض المواضع.
وقد كشف اعتماداً على هذه الوثائق عن الكثير من الغموض وبعض الأسماء الساقطة التي جاءت في تحفة الأزهار لابن شدقم والتي كان الباحث يقف عندها عاجزاً. فقد عني عناية خاصة بهذا الأمر, خاصة وأن الكثير من السادة في العراق ينحدرون أو يلتقون في النسب مع السادة في الأحساء كما ذكرنا وكما سيأتي. حتى أن المرء ليلحظ في بعض عباراته نوع من التحسر على عدم معرفته بما استجد من نسل هؤلاء السادة, فمثلاً بعد ذكره لأحد العوائل الموسوية الأحسائية والتي لها فروع في البصرة, قال: "لذا دونت فقط ما وقفت عليه من رجالهم, ولم يراجعني أحداً منهم لا من أهل البصرة ولا من أهل الأحساء حتى أتمكن من معرفة أحوال المعاصرين وتركت ذلك للزمن لعلي أستطيع ذلك مستقبلاً والله ولي كل نعمة"[3] .
5/ من الغريب أيضاً أن بعض نسابي نجد تطرقوا لأحد السادة الشيعة في الأحساء, ومن المعروف عنهم أنهم يتحاشون ذكر أنساب الشيعة في المنطقة إلا ما ندر. وذلك يعود بنظري لعدة أسباب, أهمها: عدم توفر المصادر والمعلومات عن أنساب أهالي هذه المنطقة, وهذا أمر واقع. والأمر الآخر هو الحساسية المذهبية إما لدى المؤلف نفسه أو لدى الوسط المحيط به, لذلك يفضل عدم الوقوع فيما يثير عليه اللغط واللوم. وبالرغم من ذلك فقد جاء في المنتخب لصاحبه الشيخ عبدالرحمن المغيري «1285 – 1364هـ», قوله: "وبنو الحسين هؤلاء من أمراء المدينة, وأتباعهم رافضة, إلا أنهم لا يجاهرون بذلك خوفاً, وبقايا بني الحسين منتشرون مع بني عمهم بني الحسن, منهم آل برّاقي شيعة في قرية التويثير من الأحساء"[4] , وقد نقل عنه آخرون مثل الحقيل[5] وسمير القطب[6] وغيرهما. والحقيقة أن الأمر قد اختلط عليه هنا في دقة نسب عائلة البراقي كما سيأتي.
6/ كتب التراجم.
فمن المعلوم بأن السادة في الأحساء برز منهم علماء كبار على مستوى العالم الشيعي لا يتسع لذكرهم المجال, خاصة إذا أضفنا معهم العلماء الذين برزوا في العراق وتعود أصولهم لسادة الأحساء. ولا شك بأن كتب التراجم مثل أعيان الشيعة للعاملي والطبقات والذريعة للطهراني وأنوار البدرين للبلادي وغيرها من كتب الماضين والمعاصرين, كلها قد عنيت بذكر هؤلاء العلماء, وفي نفس الوقت ذكرت في ترجمتهم انحدارهم من السلالة العلوية, بغض النظر عن تفاصيل هذا النسب. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على العلماء السنة من بني هاشم في الأحساء.
7/ الوثائق الرسمية القديمة.
هناك المئات من صور الوثائق الأحسائية القديمة, وأغلبها كان لمبايعات مزارع نخيل أو منازل أو "قساميّـات" وراثة أو وصايا وغيرها. ومنها ما هو مسطور على ورق رسمي يحمل شعار الدولة العثمانية أو مختوم بختم أحد قضاة الدولة بالأحساء في تلك الأزمان من آل العدساني أو النعيم أو العبدالقادر وغيرهم, أو وثائق مبايعات محلية تذكر اسم محرر الوثيقة والشهود من نفس القرية أو الحي. وفي تلك الوثائق كان عادةً ما يكتب اسم السيد بعبارة "السيد فلان" بينما لا تكتب لغيره على الإطلاق مهما بلغت مكانة ذلك الشخص, فقد يكتب المكرم أو الأكرم أو الأحشم أو الأفخم ... إلخ, ولكن لا تكتب كلمة السيد إلا لمن هو معروف بانحداره من السلالة النبوية الشريفة. وهذا كان عُـرف وسِلم عند أهل الأحساء, الشيعة منهم والسنة. كما كان الآخرون يعاملونهم على هذا الأساس, فمثلاً نذكّـر هنا بالرسائل التي كنا قد نشرناها سابقاً, وهي الموجهة من الملك عبدالعزيز آل سعود مؤسس الدولة, إلى السيد إبراهيم آل هاشم أمير قرية الجبيل, وهي أربعة رسائل كلها جاء بها عبارة "السيد إبراهيم", واثنتان منها جاء الاسم ثنائياً "السيد إبراهيم ابن السيد محمد"[7] .
وهكذا الكثير من هؤلاء السادة تسجلوا في السجلات المدنية في بداية قيام الدولة السعودية بهذه الطريقة «السيد فلان بن السيد فلان...إلخ» إلا أن الدولة ألغت رسمياً فيما بعد «قبل أكثر من عشرين عاماً» كتابة الأسماء المركبة إلا ما عبّد, ومنعت الألقاب كالسيد والشريف وغير ذلك مما يعتقد أنه يثير التمييز بين المواطنين. وعلى كل حال فهذا العرف عند الأحسائيين مازال مستمراً بشكل غير رسمي حتى يومنا هذا, خاصة عند أبناء الطائفة الشيعية.
8/ الحكم الشرعي فيما يخص الانتساب لبني هاشم.
فمن المعلوم بأن بني هاشم وعلى الأقل عند الشيعة, لهم أحكام شرعية مختصة بهم, مثل وجوب دفع الخمس لفقرائهم وحرمته لغيرهم, ومثل حرمة التصدق عليهم, وأمور أخرى خاصة بطهارة النساء من الدم, وغير ذلك. وقد كان علماء الأحساء والمنطقة عموماً يطبقون الحكم الشرعي في ثبوت هذا النسب والذي غالباً ما يعتمد على الشياع والشهرة في البلد أو الشهادة الموثقة من أحد ثقات بلد المنشأ لمن هو وافد, وغيرها من الأمور التي يعرف تفاصيلها رجال الدين. لكن الشاهد هنا هو أن السادة في الأحساء بغض النظر عن تفاصيل وتفرعات أنسابهم إنما هم معروفون بالشياع أباً عن جد, وقد كان بعضهم يحرصون على كتابة وذكر هذا الانتساب وختمه وتوثيقه من أحد العلماء, بل واطلعنا على بعض الوثائق المختومة من أكثر من عالم كبير في الأحساء يشهدون بها بأن السيد فلان ابن السيد فلان هو من المعلوم لدينا شخصه ونسبه.
وكثير من هؤلاء العلماء لم يكونوا يدققون في تسلسل النسب عند ذكره في تلك الأوراق, بل أن ختمهم غالباً ما يكون لتأكيد الانتساب الهاشمي ليس إلا, وقد لاحظنا بعض الوثائق التي بها أنساب منقطعة لأحد الأئمة, أو طبقات غير منطقية. ولا يلام هؤلاء العلماء على ذلك, فهم يرون بأن مهمتهم تقتصر على توثيق النسب الهاشمي المشاع لهذا الشخص, وليس التدقيق في تفاصيله وتسلسله, فهذا أمر متروك للشخص ومعرفته بأسرته, خاصة وأن أغلب هؤلاء العلماء لم يكونوا من المتبحرين في هذه المسائل كطبقات النسب والمشجرات وغير ذلك من الأمور التفصيلية.
نحن لا نبالغ إن قلنا بأن السادة في الأحساء هم من أكثر السادة وثاقةً في أنسابهم وانتمائهم العلوي الهاشمي الشريف, وهذا أمر معلوم لكل نسابة أو مهتم بأنساب السادة في مختلف العالم الإسلامي, مهما كان مذهبه وميوله. وهو أمر لمسناه بأنفسنا ولمسه كل من كان له احتكاك أو اتصال بهذه الشخصيات أو المؤسسات المعنية بتوثيق السلالة النبوية, بل أن بعض هؤلاء يلومون أهل الأحساء على تقصيرهم وإهمالهم في عدم إخراج أي عمل يوثق وضع سادة الأحساء في العصور المتأخرة.
أما في بلاد العراق وإيران والخليج وغيرها من البلاد ذات الكثافة الشيعية, فيكفي لوثاقة نسبك العلوي أن تكون منحدراً من أحد عوائل السادة في الأحساء, ومن أسباب ذلك هو أن الأحساء هي من المحطات الهامة التي تنتقل من خلالها القبائل والعوائل من داخل الجزيرة العربية إلى تلك الأماكن. حيث أن عدداً من السادة الموثقين في تلك الأماكن إنما هم منحدرين من أصول أحسائية بعيدة, أو أنهم يلتقون معهم في نسب أعلى. ومن أهم ما يمكن التطرق له هنا عن وثاقة أنساب السادة في الأحساء, هو الـتالي:
1/ النسابة السيد ضامن ابن النسابة السيد شدقم الحسيني المدني «كان حياً عام 1090هـ».
السيد بن شدقم هو من أهالي المدينة المنورة ومن نسل أمراؤها من آل مهنا. ومخطوطته "تحفة الأزهار وزلال الأنهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار" تعتبر من الأعمال الخالدة والهامة في حفظ أنساب السلالة النبوية. وله أيضاً "لب اللباب في ذكر السادة الأنجاب" و"زهرة الأنوار في نسب الأئمة الأطهار". وهو عَـلم من الأعلام ومرجع من المراجع في هذا المجال, وإن كان قد وقع في بعض الأخطاء فيبدو بأن سبب ذلك لم يكن لنقص في علمه ودرايته بل لأن المخطوط المتوفر «تحفة الأزهار» هو عبارة عن مسودة يبدو أن الأجل قد وافاه قبل تدقيقها وتبييضها.
زار السيد بن شدقم الأحساء عدة مرات, منها ما ذكره في المخطوط وهي في عام 1053هـ وعام 1057هـ وعام 1058هـ وتحدث عن أبناء عمومته السادة, وخاصة المنحدرين من نسل السيد أحمد المدني, فذكرهم وذكر قراهم ومساكنهم وفصل في أنسابهم وتفرعاتهم بشكل جيد, حسب ما حصل عليه من معلومات في ذلك العصر. وقد جمع وحقق مخطوط تحفة الأزهار, الأستاذ كامل بن سلمان الجبوري, وشجّره في كتاب منفصل تحت مسمى "الروض المعطار في تشجير تحفة الأزهار". وطـُبع من هذا المخطوط حسب علمنا طبعتين, واحدة في طهران عام 1999م تحت إشراف مركز نشر التراث المخطوط التابع لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي, وهذا مما يدل على أهمية ووثاقة هذا المخطوط وصاحبه. أما الطبعة الأخرى فكانت مختصرة ومركزة على التشجير, وذلك في العاصمة الرياض عام 2005م باشتراك مكتبتين هما مكتبة المعرفة ومكتبة التوبة, وقام بكتابته واختصاره السيد يوسف بن عبدالله جمل الليل الذي ينحدر من السادة الحسينيين آل باعلوي الحضارمة. ومما قاله في مقدمته عن هذا العمل الهام ومؤلفه: "تحفة الأزهار وزلال الأنهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار, درة يتيمة في بابه وجوهرة مصونة بين أترابه, لما اشتمل عليه من أنساب سبطا رسول الله الحسن والحسين رضي الله عنهما بالجمع بين الأصول والفروع لذريتهما المباركة. فالكتاب بحق يعتبر من المراجع المهمة, ومن أوسع الكتب المتخصصة بأنساب آل البيت من العلويين في جميع البقاع ليوصل بين أجذامهم وأصولهم التي انحدروا منها وانسابوا متشعبين. لقد توارث مؤلفه علم الأنساب كابراً عن كابر أباً عن جد وقام بجولات واسعة لعدة أقطار جاب فيها شرق الجزيرة العربية والعراق وإيران والهند, ومكث فيها حقبة زمنية طويلة فاطلع على من سبقه في هذا العلم وما كتب وصنف فيه...إلخ"[1] .
2/ النسابة السيد عبدالرزاق كمونة النجفي «ت 1390هـ».
من مؤلفاته "نجوم السحَر في أنساب البشر" و"أنساب بني هاشم" و"عقود التمائم في أنساب بني هاشم" و"خلاصة الذهب في مشجرات النسب" وغيرها. وله مشجرات وكتيبات خاصة ببعض سادة الأحساء عملها وحققها في حياته, وإن كانت قد احتوت على بعض الأخطاء أيضاً فيما يخص بعض الأسماء في التشجير.
3/ آية الله النسابة السيد أبي المعالي محمد حسين «شهاب الدين» إبن النسابة السيد محمود «شمس الدين» المرعشي النجفي «1315 – 1411هـ».
كان عالماً وفقيهاً إمامياً, وفي نفس الوقت عني عناية خاصة بالأنساب الهاشمية, ومن مؤلفاته في هذا المجال "أنساب العلويين" و"مشجرات آل الرسول". وهذا الرجل ممن ينطبق عليهم بامتياز القول بأنه ترك علماً ينتفع به, حيث أنه وبعد انتقاله من العراق واستقراره في مدينة قم, أسس بمساعدة ولده السيد محمود مكتبته الشهيرة التي تعتبر أكبر وأهم مكتبات إيران وتعد ثالث أكبر مكتبة إسلامية بعد المكتبة السلطانية في تركيا ودار الكتب المصرية, ويزورها يومياً من 3000 إلى 4000 آلاف طالب علم, لما تحتويه من آلاف الكتب القديمة من مخطوطات أو كتب مطبوعة بالطباعة الحجرية. والجدير بالذكر بأن تراثه الخاص بالأنساب ومشجراته تشمل العديد من السادة في العالم الإسلامي, وتحظى بعناية خاصة من ولده السيد محمود ومجموعة من المتخصصين. وقد دُعي السيد محمود بدعوة رسمية من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية لإلقاء محاضرة في الرياض, كانت بعنوان "واقع المخطوطات العربية في إيران", وذلك مساء يوم 25/12/1424هـ وبحضور العديد من المهتمين والمتخصصين في هذا المجال[2] . ومن التقيناهم من هذا المركز يثنون على السيد محمود وإدارة مكتبة المرعشي في قم, لما يلقونه منهم من تعاون في مجال تبادل الكتب والمخطوطات.
4/ العالم النسابة السيد حسين أبو سعيدة الموسوي «معاصر, ولد عام 1364هـ».
عالم وفقيه إمامي له عدة إجازات من عدة مراجع, وقد عني عناية خاصة بالأنساب ويعتبر من أهم وأبرز نسابي السادة في عصرنا الحالي. وقد تميز السيد أبو سعيدة في أنه لا يخشى في الله لومة لائم خاصة فيما يخص الانتساب الباطل لهذه الشجرة, فألف كتاباً بعنوان "القول الفاصل في النسب الباطل" شمل فيه كل ما اطلع عليه من الأسر غير العلوية التي ادعت النسب بالباطل. ومن أهم مؤلفاته هو "المشجر الوافي في السلسلة الموسوية" «طبع عدة مرات» وقد ذكر فيه ما اطلع عليه من السادة الموسوية في الأحساء. وأرى بأن للسيد أبو سعيدة فضل كبير في توضيح بعض السلاسل والمعلومات عن سادة الأحساء لأنه اطلع على العديد من الوثائق الأحسائية إما لبعض المهاجرين إلى هناك أو الوثائق التي كان يودعها بعض طلاب الأحساء عند الثقات في النجف الأشرف لحفظها أو ترتيبها كما ذكر في بعض المواضع.
وقد كشف اعتماداً على هذه الوثائق عن الكثير من الغموض وبعض الأسماء الساقطة التي جاءت في تحفة الأزهار لابن شدقم والتي كان الباحث يقف عندها عاجزاً. فقد عني عناية خاصة بهذا الأمر, خاصة وأن الكثير من السادة في العراق ينحدرون أو يلتقون في النسب مع السادة في الأحساء كما ذكرنا وكما سيأتي. حتى أن المرء ليلحظ في بعض عباراته نوع من التحسر على عدم معرفته بما استجد من نسل هؤلاء السادة, فمثلاً بعد ذكره لأحد العوائل الموسوية الأحسائية والتي لها فروع في البصرة, قال: "لذا دونت فقط ما وقفت عليه من رجالهم, ولم يراجعني أحداً منهم لا من أهل البصرة ولا من أهل الأحساء حتى أتمكن من معرفة أحوال المعاصرين وتركت ذلك للزمن لعلي أستطيع ذلك مستقبلاً والله ولي كل نعمة"[3] .
5/ من الغريب أيضاً أن بعض نسابي نجد تطرقوا لأحد السادة الشيعة في الأحساء, ومن المعروف عنهم أنهم يتحاشون ذكر أنساب الشيعة في المنطقة إلا ما ندر. وذلك يعود بنظري لعدة أسباب, أهمها: عدم توفر المصادر والمعلومات عن أنساب أهالي هذه المنطقة, وهذا أمر واقع. والأمر الآخر هو الحساسية المذهبية إما لدى المؤلف نفسه أو لدى الوسط المحيط به, لذلك يفضل عدم الوقوع فيما يثير عليه اللغط واللوم. وبالرغم من ذلك فقد جاء في المنتخب لصاحبه الشيخ عبدالرحمن المغيري «1285 – 1364هـ», قوله: "وبنو الحسين هؤلاء من أمراء المدينة, وأتباعهم رافضة, إلا أنهم لا يجاهرون بذلك خوفاً, وبقايا بني الحسين منتشرون مع بني عمهم بني الحسن, منهم آل برّاقي شيعة في قرية التويثير من الأحساء"[4] , وقد نقل عنه آخرون مثل الحقيل[5] وسمير القطب[6] وغيرهما. والحقيقة أن الأمر قد اختلط عليه هنا في دقة نسب عائلة البراقي كما سيأتي.
6/ كتب التراجم.
فمن المعلوم بأن السادة في الأحساء برز منهم علماء كبار على مستوى العالم الشيعي لا يتسع لذكرهم المجال, خاصة إذا أضفنا معهم العلماء الذين برزوا في العراق وتعود أصولهم لسادة الأحساء. ولا شك بأن كتب التراجم مثل أعيان الشيعة للعاملي والطبقات والذريعة للطهراني وأنوار البدرين للبلادي وغيرها من كتب الماضين والمعاصرين, كلها قد عنيت بذكر هؤلاء العلماء, وفي نفس الوقت ذكرت في ترجمتهم انحدارهم من السلالة العلوية, بغض النظر عن تفاصيل هذا النسب. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على العلماء السنة من بني هاشم في الأحساء.
7/ الوثائق الرسمية القديمة.
هناك المئات من صور الوثائق الأحسائية القديمة, وأغلبها كان لمبايعات مزارع نخيل أو منازل أو "قساميّـات" وراثة أو وصايا وغيرها. ومنها ما هو مسطور على ورق رسمي يحمل شعار الدولة العثمانية أو مختوم بختم أحد قضاة الدولة بالأحساء في تلك الأزمان من آل العدساني أو النعيم أو العبدالقادر وغيرهم, أو وثائق مبايعات محلية تذكر اسم محرر الوثيقة والشهود من نفس القرية أو الحي. وفي تلك الوثائق كان عادةً ما يكتب اسم السيد بعبارة "السيد فلان" بينما لا تكتب لغيره على الإطلاق مهما بلغت مكانة ذلك الشخص, فقد يكتب المكرم أو الأكرم أو الأحشم أو الأفخم ... إلخ, ولكن لا تكتب كلمة السيد إلا لمن هو معروف بانحداره من السلالة النبوية الشريفة. وهذا كان عُـرف وسِلم عند أهل الأحساء, الشيعة منهم والسنة. كما كان الآخرون يعاملونهم على هذا الأساس, فمثلاً نذكّـر هنا بالرسائل التي كنا قد نشرناها سابقاً, وهي الموجهة من الملك عبدالعزيز آل سعود مؤسس الدولة, إلى السيد إبراهيم آل هاشم أمير قرية الجبيل, وهي أربعة رسائل كلها جاء بها عبارة "السيد إبراهيم", واثنتان منها جاء الاسم ثنائياً "السيد إبراهيم ابن السيد محمد"[7] .
وهكذا الكثير من هؤلاء السادة تسجلوا في السجلات المدنية في بداية قيام الدولة السعودية بهذه الطريقة «السيد فلان بن السيد فلان...إلخ» إلا أن الدولة ألغت رسمياً فيما بعد «قبل أكثر من عشرين عاماً» كتابة الأسماء المركبة إلا ما عبّد, ومنعت الألقاب كالسيد والشريف وغير ذلك مما يعتقد أنه يثير التمييز بين المواطنين. وعلى كل حال فهذا العرف عند الأحسائيين مازال مستمراً بشكل غير رسمي حتى يومنا هذا, خاصة عند أبناء الطائفة الشيعية.
8/ الحكم الشرعي فيما يخص الانتساب لبني هاشم.
فمن المعلوم بأن بني هاشم وعلى الأقل عند الشيعة, لهم أحكام شرعية مختصة بهم, مثل وجوب دفع الخمس لفقرائهم وحرمته لغيرهم, ومثل حرمة التصدق عليهم, وأمور أخرى خاصة بطهارة النساء من الدم, وغير ذلك. وقد كان علماء الأحساء والمنطقة عموماً يطبقون الحكم الشرعي في ثبوت هذا النسب والذي غالباً ما يعتمد على الشياع والشهرة في البلد أو الشهادة الموثقة من أحد ثقات بلد المنشأ لمن هو وافد, وغيرها من الأمور التي يعرف تفاصيلها رجال الدين. لكن الشاهد هنا هو أن السادة في الأحساء بغض النظر عن تفاصيل وتفرعات أنسابهم إنما هم معروفون بالشياع أباً عن جد, وقد كان بعضهم يحرصون على كتابة وذكر هذا الانتساب وختمه وتوثيقه من أحد العلماء, بل واطلعنا على بعض الوثائق المختومة من أكثر من عالم كبير في الأحساء يشهدون بها بأن السيد فلان ابن السيد فلان هو من المعلوم لدينا شخصه ونسبه.
وكثير من هؤلاء العلماء لم يكونوا يدققون في تسلسل النسب عند ذكره في تلك الأوراق, بل أن ختمهم غالباً ما يكون لتأكيد الانتساب الهاشمي ليس إلا, وقد لاحظنا بعض الوثائق التي بها أنساب منقطعة لأحد الأئمة, أو طبقات غير منطقية. ولا يلام هؤلاء العلماء على ذلك, فهم يرون بأن مهمتهم تقتصر على توثيق النسب الهاشمي المشاع لهذا الشخص, وليس التدقيق في تفاصيله وتسلسله, فهذا أمر متروك للشخص ومعرفته بأسرته, خاصة وأن أغلب هؤلاء العلماء لم يكونوا من المتبحرين في هذه المسائل كطبقات النسب والمشجرات وغير ذلك من الأمور التفصيلية.